الفرق بين الحاكمية والإمارة
عندما رفع الخوارج في القرن الأول من الهجرة شعارهم (لا حكم إلا لله) رد عليهم علي بن أبي طالب بمقولته الشهيرة (كلمة حق أريد بها باطل) ثم وضح: أنهم يعنون (لاحكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا (إمرة إلا لله) وفصل رضي الله عنه: (وأنه لا بد للناس من أمير بر كان أو فاجرا يعمل في إمرته المؤمن، ويمتنع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويُجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وَتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويُستراح من فاجر).
أهم ما ورد في هذه العبارة في رأيي أنها فصّلت في معنى (الحكم) والفرق بينه وبين (الإمارة) بلغة واضحة غير ملتبسة. فالحكم عندما يرد في القرآن لا يعني بالضرورة (الحكم) بمعناه السياسي كما يستخدم اليوم، وإنما بمعناه القضائي في الفصل بين المتنازعين؛ وهذا ما ينسحب على كل الآيات التي حرفها الإسلاميون,وكثير من الفقهاء ذوي الغايات السياسية عن موضعها، فجعلوها تعني (الإمارة) وليس المعنى القضائي، وهذا ما أشار إليه علماء الأصول عندما يرد شاهدان أو دليلان ينقض الواحد منها الآخر، فقالوا (حكم الحاكم يرفع الخلاف)، والحاكم هنا يعني حصرا القاضي.
ومن يقرأ ما تطرحه جماعة الإخوان المسلمون والفرقة المنبثقة عنها وهم (السروريون) الذين هم الأخطر والأكثر انتشارا في بلادنا، يجد أنهم في خطابهم يستعملون (الحاكم) بمعناه السياسي، وهو نفس خطاب الخوارج الذي فنده علي بن أبي طالب كما ذكرت في صدر هذا المقال، مستغلين أن مثل هذه الفروق بين المصطلحين لا يدركه عوام أتباعهم، وربما جزء كبير من خاصتهم.
لذلك يمكن القول وبعلمية تواكبها الأدلة والشواهد أن جماعات الإسلام السياسي رددوا بالتمام والكمال ما كان يردده الخوارج، وإذا أضفت إلى دعواتهم التمردية على السلطات، وإثارتهم للفتن، تيقنت بما لا يدع مجالا لأي شك أن العصا أخت العصية.
إلى اللقاء
نقلا عن الجزيرة